قدم خبراء مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي تقييمًا شاملاً للعام الأول بعد سقوط بشار الأسد، موضحين أهم التحولات السياسية، الاقتصادية، والأمنية في سوريا، ومدى تأثيرها على الداخل والخارج، واستعراض التحديات التي تواجه القيادة الجديدة برئاسة أحمد الشرع.
يرى مهند حجي علي، نائب مدير البحوث في مركز مالكولم هـ. كير لدراسات الشرق الأوسط، بيروت، أن النظام السوري الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع حقق إنجازات محدودة خلال العام الماضي، محصورة في السياسة الخارجية. ركز الشرع جهوده على إعادة بناء العلاقات الدولية لسوريا، بينما سجل فشلًا نسبيًا على الصعيدين الاقتصادي والسياسي الداخلي. أشارت أعمال العنف في السويداء إلى أن بناء تحالفات سياسية شاملة بعيدًا عن القاعدة الإسلامية للرئيس الجديد غير مطروح، ولم يعِد النظام عملية للعدالة الانتقالية والمصالحة، وهو أمر ضروري لتجنب هجمات انتقامية على الأقلية العلوية. رغم ذلك، نجح الشرع في الحفاظ على السلام بين الفصائل الشمالية المعارضة، مستفيدًا جزئيًا من الدعم التركي وتجنيد قوات أمنية جديدة، ما يتيح له تدريجيًا إدارة هذه الفصائل ودمجها في مؤسسات الدولة.
السياسة الخارجية وأبعادها الإقليمية
وقالت زها حسن، زميلة أولى في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إن العالم تابع عن كثب طبيعة العلاقة الجديدة لسوريا مع إسرائيل بعد سقوط النظام الموالي لإيران. أظهرت السياسة الإسرائيلية رغبة في الاحتفاظ بمكانتها الإقليمية وتوسيع النفوذ الإقليمي، في حين رفض الشرع تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون انسحابها من الأراضي العربية، مستثمرًا خبرته في إدارة السياسة الأمريكية السابقة عبر الرئيس ترامب. لعبت السعودية دورًا محوريًا في مستقبل سوريا، بينما ظل الاستثمار في علاقاتها مع الإدارة الأمريكية السابقة محدودًا في إطار توسيع اتفاقيات أبراهام. التوازن بين الضغوط الإقليمية والدولية شكل تحديًا مستمرًا أمام السياسة الخارجية السورية.
التحديات الداخلية وإعادة بناء الدولة
ولفت عصام قيصي، محلل أبحاث في مركز كارنيجي، إلى أن سقوط الأسد أدى إلى إنهاء علاقة طويلة ومعقدة بين سوريا ولبنان، حيث اعتمد النظام الأسدي على ميليشيات مثل حزب الله لتعزيز سيطرته، وعكس هجوم إسرائيل على لبنان في خريف 2024 هشاشة هذا الدعم. أفضى انهيار هذه الهياكل إلى ظهور فراغ سياسي في سوريا، وسط توقعات بتشكل نظام جديد معادٍ لإيران قد يعيد تشكيل شبكات النفوذ في لبنان. استمرت المخاوف على الحدود اللبنانية-السورية، بينما بقيت السلطة في دمشق ضعيفة نسبيًا في بعض المناطق، خصوصًا في شمال وشرق سوريا والمناطق الساحلية.
الاقتصاد والإصلاح المؤسسي
ولكن يزيد صايغ، زميل أول في مركز كارنيجي، يشير إلى أن الحكومة الانتقالية عجزت عن إصدار إطار اقتصادي واضح أو إطلاق مشاورات عامة حول إعادة الإعمار. سجل الاقتصاد السوري في عهد الأسد انفتاحًا جزئيًا، لكنه عانى من فساد واستغلال واسع، حيث استفاد أفراد النظام من النفوذ على القطاعات الاقتصادية. يحتاج النظام الجديد إلى تنفيذ إصلاحات شاملة، تشمل حماية الملكية، وإنفاذ العقود، ومراجعة الصناديق الاقتصادية، وتطوير مؤسسات قضائية فعالة، لضمان إعادة ثقة المستثمرين المحليين والخارجين، وتحفيز القوى الإنتاجية في المجتمع.
التوازن بين الخارج والداخل وآفاق المستقبل
وأوضح مروان معشر، نائب الرئيس لشؤون الدراسات في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أن سوريا تواجه مفترق طرق بين التحديات الخارجية والداخلية. أحرز النظام الجديد خطوات مهمة لإعادة قبول سوريا دوليًا وتخفيف العقوبات الأمريكية والأوروبية، وجذب اهتمام دول الخليج بالاستثمار وإعادة الإعمار. داخليًا، برزت مظاهر تركيز السلطة، والصراعات الطائفية والإثنية، والعنف في مناطق مختلفة مثل السويداء وحمص والساحل، مع استمرار سيطرة فصائل جديدة على أجزاء من الأراضي. ركز النظام على انتخابات محدودة لإضفاء الشرعية السياسية، لكنه فشل في تقديم رؤية واضحة تشمل جميع الأطراف. يظل الاتفاق مع إسرائيل ورفع العقوبات من أبرز المحددات لمستقبل الاستقرار السياسي والاقتصادي.
أدى سقوط الأسد إلى إعادة رسم خريطة النفوذ الإقليمي، وقطع الطريق البري لإيران نحو لبنان، وأعاد ترتيب أدوار تركيا وروسيا والخليج في سوريا. ومع ذلك، يبقى المشهد الداخلي هشًا، مع صراعات سياسية وطائفية، وتحديات إعادة الإعمار والشفافية الاقتصادية. سيحدد التوازن بين النجاح في السياسة الخارجية وإصلاح المؤسسات الداخلية قدرة سوريا على تحقيق استقرار حقيقي، أو الاستمرار في نمط الهيمنة والانقسامات الذي ساد فترة طويلة.
https://carnegieendowment.org/middle-east/diwan/2025/12/a-year-later-what-is-your-assessment-of-bashar-al-assads-downfall?lang=en

